
القانون البيئي البيئة التشريعات البيئية
لم تكن البيئة والقضايا المتعلقة بها ذات أولوية أو أهمية على الصعيد الدولي أو المحلي، ولكن، بعد ظهور العديد من المخاطر المتعلقة بالبيئة نتيجة التطّور الصناعي والكثافة السكّانية وبروز ظاهرة الإحتباس الحراري والحروب وما لها من آثار سلبية على البيئة، جعلت من قضية البيئة والمخاطر التي تحيط بها محطّ أنظار العالم بأسره، وتضافرت الجهود الدّولية من أجل التصدي الى هذه الظاهرة والوقوف بوجه أي من الأسباب التي من شأنها التأثير على البيئة، واصبح موضوع حماية البيئة يحتلّ مكانةً هامة في القانون الدولي الإنساني الذي يسعى الى ضمان احترام البيئة، لأنها تتماشى مع دوره الرئيسي المتمثّل في صون الحياة البشرية بجميع مقوماتها، كما اتجه المجتمع الدّولي إلى سنّ التشريعات والقوانين لحماية البيئة، والتي عبّر عنها برنامج الامم المتحدة للبيئة بأنها " مجموعة التشريعات التي تحتوي على عوامل تراقب أو تدير تأثير البشر على البيئة، وعناصر التشريعات البيئية يمكن ايجادها في مختلف النصوص بغض النظر عن تسميتها"، وكان أول ترسيخ وبداية للقانون البيئي؛ إنعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الأول للبيئة والتنمية سنة 1972، وفيما بعد أعقبه العديد من المؤتمرات التي تهتم بالشأن البيئي وأبرمت العديد من الإتفاقيات على المستوى الدولي كما صدر الكثير من القوانين على المستوى المحلي التي تتضمن قواعد وأنظمة قانونية لحماية الشأن البيئي.
تعتبر البيئة المحيط الطبيعي الذي يحيا فيه الإنسان ويمارس فيه كافة النشاطات الخاصة به حيث يتمثل بالكائنات الحيّة وغير الحيّة، بالإضافة إلى كل ما هو كيميائي وفيزيائي وبيولوجي واجتماعي، وما ينتج عنه من مخاطر نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر؛ تلوّث الهواء والماء الذي غالباً ما يكون الإنسان هو المسبب الرئيسي لهما حيث تُعتبر المعادن الثقيلة والنترات والبلاستيك التي يتم تفريغها من قبل المصانع سموم مسؤولة عن إحداث التلوث، وكذلك دخان المصانع والسيارات، بالإضافة الى تلوّث التربة والأرض الناتج عن الأنشطة الصناعية والزراعية والتعدين والنفايات، وتغير المناخ، وإزالة الغابات التي تُعتبر المصدر الرئيسي للأكسجين، والتأثير على الحياة البحرية، واستخراج المعادن التي تجلب المواد الكيميائية الضارة من باطن الارض، والنفايات المنزلية...
وتطرح عملية المحافظة على البيئة إشكالية قانونية هامة لناحية ايجاد وسيلة رادعة للحدّ من التعدي على البيئة وتفادي حدوث المخاطر التي يكون سببها الرئيسي فعل الإنسان في كثير من الأحيان، بالإضافة الى تعزيز دور كل من المؤسسات والأفراد على حد السواء في الحفاظ على البيئة، من خلال التعليم والتوعية المستمرة للأفراد كافة وبخاصة أصحاب المصانع بنتائج الإضرار بالبيئة وأهمية الحفاظ عليها، وإعداد خطط متنوعة للنهوض بقطاعات البيئة، والإلتزام بالطرق والأساليب المنزلية لحماية البيئة، وفي هذا السياق لا بُد من تشديد طرق الرقابة، وتوفير كادر بشري متدرب في مجال الحفاظ على البيئة، وتوفير الدعم المالي الذي يُساعد على تنفيذ أي مخطط يتعلق بمجال البيئة، كما يجب العمل على تنمية قطاع الإدارة البيئية، وأخيراً لا بُد من وجود قانون وعقوبات رادعة لكل من يحاول أو يقوم بفعل قد يسبب ضرر للبيئة.
سوف نتناول في هذه الدراسة أهمية وجود منظومة قانونية تشتمل على تشريعات تحمي البيئة (المبحث الاول) والدور التشريعي والقانوني في المحافظة على البيئة (المبحث الثاني).
المبحث الاول: ماهية القانون البيئي:
إن البحث في ماهية القانون البيئي يستوجب التطرق الى تعريف القانون البيئي (المطلب الاول) وخصائص القانون البيئي(المطلب الثاني).
المطلب الاول: تعريف القانون البيئي
القانون البيئي (Environmental Law) هو عبارة عن مجموعة قواعد وأنظمة قانونية مقرّرة لحماية الشأن البيئي والمحافظة على عناصرها من خلال إدارة وتنظيم النشاط البشري ووضع السلوكيات التي تعتبر جرائم ومخالفات بيئية والعقوبات المقررة على مرتكبيها بموجب نصوص تتضمن القواعد القانونية التي تحمي البيئة لمنع وقوع الأضرار على البيئة أو معالجة نتائج الأضرار عند وقوع الفعل من خلال تجريم تلك الأفعال المخلّة بالشأن البيئي ووضع أحكام لمساءلة مرتكبيها.
يقوم القانون البيئي على ثلاثة عناصر أساسية؛ الهدف والموضوع والوسيلة. يتمثّل الهدف من القانون البيئي في حماية البيئة والمحافظة على عناصرها، أما الموضوع فهو ضمان تنظيم وترتيب الشأن البيئي، وتكمن الوسيلة في وضع نصوص قانونية تجرّم الأفعال والتصرفات التي تلحق ضرراً بالبيئة وفرض العقوبات الجزائية بحق مرتكبيها بالإضافة الى ترتب المسؤولية المدنية على مرتكب الأفعال المضرة للبيئة عن طريق إلزامهم بالتعويض عن الأضرار وإعادة تأهيلها.
وتعتبر نشأة القانون الدّولي للبيئة أحد المؤشىرات الرئيسية لتطور القانون الدولي العام فى صالح البشرية، وتلعب الإتفاقيات والمعاهدات الدّولية والإعلانات التي تهدف إلى حماية البيئة ومنع الإضرار بها دوراً هاماً في استكمال هذا الفرع لملامح تطوره الأساسية.
المطللب الثاني: خصائص القانون البيئي
يعتبر القانون البيئي النظام القانوني المقرر لحماية البيئة والمحافظة على عناصرها، فهذا القانون يضع القواعد القانونية اللازمة لمنع الإضرار بالبيئة، وهو كسائر القوانين يتميّز بخصائص عدّة، اذ أنه يعتبر من فروع القانون العام ويتميّز بحداثته وله طابع دولي، كما أن قواعده مبنية على طابع علمي وفني ويمتاز بطابع وقائي، حيث أن هذا القانون لديه هدف أساسي وهو المحافظة على البيئة، وسوف نستعرض هذه الخصائص ونقاربها بشكل مفصل.
الفقرة الاولى: حداثة القانون البيئي
إن القانون البيئي هو حديث النشأة، لقد ظهر بدايةً على شكل مبادىء قانونية إنبثقت من أحكام المعاهدات والإتفاقيات الدّولية أو من خلال نصوص تشريعات محلية ووطنية في النصف الثاني من القرن العشرين، وهو لا يزال في طور نشأته ونموه ومراحله الأولى، والملاحظ في نشأة القانون البيئي أنه يتطور وينشأ بصورة كبيرة وسريعة جداً مع إنتشار مبادئ وأحكام القانون البيئي.
الفقرة الثانية: دولية احكام القانون البيئي
يعتبر القانون البيئي دولي النشأة، وهو ثمرة جهود المجتمع الدولي الهادفة إلى إبرام إتفاقيات دولية ومعاهدات للحدّ من تلوث البيئة وإلحاق الضرر بها، ولهذه الغاية، عقد مؤتمر تحت إشراف الأمم المتحدة في سنة 1972 وتبنى إعلان استوكهلم الذي تضمن مجموعة مبادىء عامة لحماية البيئة، وذلك على أثر نمو الحركة البيئية الدولية التي تعزّزت بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، واستخدام الأسلحة النووية والإشعاعات الخطيرة.
وتجدر الإشارة في هذا السياق، أنه على الرغم من تواجد العديد من التشريعات الوطنية إلا أنها ظلت محلّية التطبيق، وحتى المعاهدات الدّولية التي لها علاقة في الشأن البيئي كانت غالبيتها ثنائية لا ترقى لأن تكون تشريعاً لحماية البيئة على المستوى الدولي. ولعلّ تفسير نشأة القانون البيئي دولياً هو أن المشاكل البيئية لا تقف عند الحدود السياسية للدولة بل تمتد لتخرق هذه الحدود، وأي حلول لا تراعي هذه المسألة ستظل عاجزة عن تقديم حل ناجح ونهائي لمشاكل البيئة.
الفقرة الثالثة: القانون البيئي من فروع القانون العام
تعتبر البيئة بجميع مواردها ملكاً للجميع وترتبط حمايتها ارتباطاً وثيقاً بالمصلحة العامة مما يجعل القانون الذي ينظمها من فروع القانون العام، وقد اعتبر البعض ان للقانون البيئي طبيعة مختلطة اذ ان أجزاء منه قانون دولي ينطوي على المبادئ والقواعد القانونية التي تم تكريسها في معاهدات دولية بيئية، وفي أجزاء أخرى منه نصت عليها القوانين والتشريعات الوطنية.
الفقرة الرابعة: الطبيعة الوقائية للقانون البيئي
يتميّز القانوني بطبيعة وقائية، فهو يقوم على أساس المحافظة على البيئة وفقاً لقواعد فنية وعلمية قد تستدعي احياناً الإستعانة بالخبراء وأصحاب الإختصاص في هذا المجال وخاصةً في العلوم المتّصلة بها، كالفيزياء والكيمياء والطب وعلوم الأرض والأحياء وغيرها من التخصصات ذات الصلة.
الفقرة الخامسة: الطبيعة الآمرة لقواعد القانون البيئي
تتّصف قواعد ونصوص القانون البيئي أنها تأتي بصيغة الأوامر والنهي وترتب العقاب والجزاء على مخالفتها، مما يصفها بأنها قواعد آمرة، مع الإشارة إلى أن مجمل قواعد القانون العام هي قواعد آمرة على عكس القانون الخاص والذي يتصف بمجمل قواعده المكملة، ومن هنا فإن القانون البيئي أقرب الى قواعد القانون العام من قواعد القانون الخاص.
المبحث الثاني: الدور التشريعي والقانوني في المحافظة على البيئة
يعتبر حق المواطن والإنسان بالبيئة بمنزلة المصلحة العامة. كما تعتبر مسؤولية الدولة أساسية في حماية الأرض من التلوث والمحافظة على نقاوة الهواء والمياه والثروة الحيوانية والنباتية والمناظر الطبيعية والآثار واستقرار التوازنات الحياتية ومكافحة كل أنواع التلوث والضرر بالطبيعة، والمحافظة على الموارد المائية والشواطئ البحرية والمجاري والضفاف النهرية، ومراقبة العمران واعتماد التنمية البشرية المستدامة التي تعتبر الإنسان حاضراً ومستقبلاً محورها، والنمو الاقتصادي النوعي المتوازن الذي يحافظ على رأس المال الطبيعي وسيرتها.
من هنا وبعد ظهور العديد من المخاطر التي تهدد البيئة كان لا بُد من وجود قانون يختص بحماية البيئة، حيث عمدت العديد من الدول الى سنّ تشريعات وقوانين لحماية البيئة بأشكالها المتنوعة إلا ان هذه التشريعات لا تزال قاصرة عن ايفاء موضوع البيئة حقه.
وفي هذا المبحث سوف نتناول التشريعات البيئية في لبنان (المطلب الاول)، والآليات المعتمدة لحماية البيئة (المطلب الثاني)، ودور الإتفاقيات والتشريعات الدولية في مجال حماية البيئة (النبذة الثالثة).
المطلب الاول: التشريعات البيئية في لبنان:
أدّى إنتشار التلوّث والمشاكل المتعلقة بالبيئة إلى إصدار تشريعات عدّة تتعلق بموضوع البيئة لدى العديد من الدول. أما في لبنان، فلقد صدر القانون رقم 444 تاريخ 29/7/2002 المتعلق بحماية البيئة، وتكمن أهميته في اعتماد صفة المنفعة العامة حمايةً للبيئة، إلا أنه لم تصدر مراسيم تطبيقية بشأنه مما يحول دون تطبيقه، أضف إلى ذلك، إن الدستور اللبناني لم يلحظ موضوع البيئة، على الرغم من أهمية إدراجه في الدستور اللبناني كونه يساهم في ضمان التزام القوانين الوضعيّة بالأولويات البيئة سيما حق الانسان في بيئة سليمة.
وتجدر الإشارة، أننا لا زلنا نشهد حتى اليوم غياب تشريع بيئي عصري في لبنان يواكب الإهتمام العالمي في تحديث وتطوير وتوحيد العمل الهادف إلى حماية البيئة، اذ تكمن المشكلة في لبنان بانعدام التنسيق بين مختلف الوزارات والمؤسسات والمراجع ذات العلاقة بالبيئة، مما يجعل معالجة المشاكل البيئية ضعيفة لا بل شبه معدومة.
يدخل في سياق التشريع البيئي، القوانين التي صدرت في لبنان بشأن إنشاء محميات بيئية، بحيث جرى إنشاء سبع محميات طبيعية في لبنان بين عامي 1992 و1999 وهي؛ محمية جزر النخل الطبيعية بموجب القانون رقم 121/92، محمية حرج إهدن الطبيعية بموجب القانون رقم 121/92، محمية أرز الشوف الطبيعية بموجب القانون رقم 532/96، محمية شاطئ صور الطبيعية بموجب القانون رقم 708/98، محمية غابة أرز تنورين الطبيعية بموجب القانون رقم 9/99، محمية اليمونة الطبيعية بموجب القانون رقم 10/99، محمية بنتاعل الطبيعية بموجب القانون رقم 11/99، وفي العام 2010 أنشئت محميتين طبيعيتين هما؛ محمية مشاع شننعير بموجب القانون 112/2010 ومحمية وادي الحجير بموجب القانون رقم 121/2010 . أضف إلى ذلك، إلى أن مجلس النواب قد أقرّ هيكلية جديدة لوزارة البيئة بموجب القانون 690 تاريخ 26/8/2005 المتعلق بتحديد مهام وزارة البيئة وتنظيمها الذي وضع البيئة في عداد النظام العام وخصّها بشرطة بيئية لضمان حق كل فرد ببيئة سليمة وكرّس الدور التشريعي والرقابي والتوجيهي للوزارة.
وتجدر الإشارة أيضاً، إلى بعض المصادر الدّولية للتشريع البيئي كالمؤتمرات والإتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وافق عليها أو انضم إليها لبنان، وإلى صدور العديد من القوانين التي تجيز للحكومة اللبنانية الإنضمام إلى إتفاقيات بيئية دولية وأبرزها؛ القانون رقم 360 الصادر بتاريخ 1/8/1994 الذي أجاز للحكومة اللبنانية إبرام إتفاقية الأمم المتحدة للتنوّع البيولوجي الموقعة في ريو دي جنيرو بتاريخ 5/6/1992، كما انضم لبنان إلى بروتوكول مونتريال الخاص بالمواد التي تعمل على تآكل طبقة الاوزون المصدّق عليه بموجب القانون رقم 253 تاريخ 31/3/1993، كما صادق على إتفاقية فيينا الخاصة بحماية طبقة الاوزون بموجب القانون 253 تاريخ 30/3/1993.
وأيضاً، بتاريخ 24/11/1993 تبنّى لبنان الاتفاقية الخاصة بمنع التلوث الناتج عن السفن، كما صدّق على اتفاقية الأمم المتّحدة لمكافحة التصحّر بموجب القانون رقم 469 تاريخ 21/12/1994، وكذلك إتفاقية إطار عمل الأمم المتحدة الخاص بتغيّر المناخ التي جرى التصديق عليها بموجب القانون رقم 359 تاريخ 11/8/،1994 والاتفاقية الخاصة بالتنوّع البيولوجي المصدّق عليها بموجب القانون رقم360 تاريخ 11/8/2004، وإتفاقية بازل الخاصة بالتحكّم في نقل النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها، بالإضافة إلى البروتوكول التابع للإتفاقية التي صدّق عليها لبنان بموجب القانون رقم 387 تاريخ 21/12/1994، وإتفاقية ستوكهولم الخاصة بالملوثات العضوية الثابتة الموقع عليها بتاريخ 22/5/2002، واتفاقية روتردام الخاصة بإجراء الموافقة المسبقة العلم على وضع الكيماويات والمبيدات الخطرة في التجارة الدولية في 11/2/2007.
في ظل عدم صدور المراسيم التطبيقية لقانون حماية البيئة في لبنان، لا زالت المحاكم اللبنانية تطبق أحكام المادة 770 من قانون العقوبات اللبناني على المخالفات المتعلقة بالبيئة وتعاقب بالحبس حتى ثلاثة أشهر وبالغرامة من مئة ألف إلى ستماية ألف ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين على مخالفة الأنظمة الإدارية أو البلدية الصادرة وفقاً للقانون، إزاء هذا الواقع، يقتضي إصدار المراسيم التطبيقية لقانون حماية البيئة في لبنان، والعمل على تحديث جميع القوانين البيئية وتفعيل أدوات تطبيقها، من خلال التشدّد في فرض العقوبات على كل مخالف، وتنظيم الحملات الإعلانية والندوات التثقيقية لتفعيل وعي المواطن حول أهمية الحفاظ على البيئة وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في هذا المجال من أجل التعاون على إرساء ثقافة بيئية ينشأ عليها المواطن، وتفعيل دور المجتمع المدني بكافة كياناته لما لدوره الرقابي من أهمية في هذا المجال، ولعلّ الأهم في كل ذلك، هو تطوير آليات الرقابة والمحاسبة والمساءلة وتعزيز هيئاتها.
المطلب الثاني: الآليات الدولية المعتمدة لحماية البيئة
اتجه المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عديدة لمحاربة التلوث البيئي، وذلك من خلال وضع مجموعة من الآليات المتعلقة بحماية البيئة، متمثلةً بالمنظمات الدولية ولإقليمية، ولقد تمّ تعزيز المنظومة البيئية من خلال القضاء والتحكيم الدوليين، من أجل رفع مستوى الإهتمام بالمجال البيئي لأن الإنسان لا يمكنه أن يعيش في بيئة غير ملائمة لحياته اليومية، كما تعتبر البيئة العنصر المشترك للمجتمعات بينها، وهذا ما جعل الدول تهتم به من خلال رفع الإجتهادات على مستوى المنظمات العامة والمتخصّصة والقضاء والتحكيم الدوليين لفضّ كل النزاعات المتعلقة بالبيئة، وهذا ما يحصل على الساحة الدولية اليوم، بحيث تدخل البيئة في صلب رؤية كافة الدول، التي تسعى الى خلق منظّمات ذات إهتمام بالبيئة على المستوى الدّولي والإقليمي، كما اهتمام القضاء والتحكيم الدوليين بحماية البيئة، وسوف نسلط الضوء من خلال الفقرتين التاليتين على دور ومهام المنظمات الدولية والإقليمية في مجال البيئة.
الفقرة الأولى: المنظّمات الدّولية والإقليمية
شكّلت المنظّمات الدّولية العالمية منها والإقليمية العامة والمتخصّصة الالية والإطار التنظيمي لتوحيد الجهود الدّولية في مجال حماية البيئة والتنسيق بينها، وذلك على الرغم من غموض الكثير من المواثيق المنشئة لبعض هذه المنظّمات لجهة الأساس القانوني اﻠﺫي يجيز لها النهوض بوظائف معينة في مجال المحافظة على البيئة وحمايتها والحدّ من خطورة المشكلات المرتبطة بها.
تقوم هذه المنظمات بالدور المشار إليه عن طريق إنشاء أجهزة فرعية خاصة، ولقد كان للأمم المتحدة دوراً بارزاً في ﻫﺫا الخصوص، بحيث تضمّنت التوصيات الرئيسية التي خلص إليها مؤتمر استوكهولم ما يشير إلى وجوب انشاء جهاز دولي يكون تابعاً لهذه المنظمة الدولية ويعنى بالشؤون البيئية، ولقد وافقت الجمعية العامة للأمم المتّحدة على قبول هذه التوصيات وبادرت إلى إنشاء جهاز خاص لهذا الغرض أطلق عليه (برنامج الامم المتحدة للبيئةPNUE) من أجل ترقية التعاون الدّولي في مجال البيئة وتقديم التوصيات المناسبة في ﻫﺫا الشأن ومتابعة الوضع البيئي الدّولي وتنمية ونشر المعارف البيئية للتنسيق بين الجهود الوطنية والدولية في مجال البيئي وتمويل البرامج البيئية وتقديم المساعدات اللازمة في إطار الامم المتحدة، كما أنشئت الى جانب ﻫﺫا الجهاز لجان فرعية أخرى عديدة تعنى بالموضوع ﺫاته في إطار المجلس الإقتصادي والإجتماعي .
ولقد قامت بعض المنظمات الدولية المتخصصة بدورها بتوفير آليات خاصة بقضايا البيئة وينطبق ﺫلك بشكل ملحوظ على المنظمات الاتية: اليونسكو للأغذية والزراعة، المنظّمة البحرية، منظّمة العمل الدّولية. أما المجلس الإقتصادي والإجتماعي التابع للأمم المتّحدة فهو يقوم بمهمة التنسيق بين أنشطة هذه المنظمات والأجهزة النوعية التي تنشئها تلافياً للإزدواج اﻠﺫي يمكن أن يحدث بينها.
أما على مستوى المنظّمات الدّولية الإقليمية، تعتبر المنظّمات التابعة لدول الإتحاد الأوروبي رائدة في مجال حماية البيئة وتوفير الإطار التنظيمي المناسب ﻠﺫلك، من أهم الأجهزة والّلجان والمؤتمرات التي أنشأتها دول الإتحاد وخوّلتها سلطات واختصاصات واسعة؛ اللجنة الفرعية الخاصة بتلوث الهواء، واللجنة الخاصة بتلوث المياه ولجنة التخطيط الشامل للأقاليم، واللجنة الخاصة بالاثار والمواقع الطبيعية المميّزة، والمؤتمر للمحافظة على الطبيعة، والمؤتمر الأوروبي للسلطات المحلية والأهلي، المؤتمر الوزاري (الأوروبي) بشأن البيئة، اللجنة الخاصة بالتنسيق لمشاكل البيئة، اللجنة الخاصة بالبيئة والصحة.
الفقرة الثانية: القضاء والتحكيم الدوليين
يساهم القضاء والتحكيم الدّولي بشكل فعال في حماية البيئة من خلال الفصل في النزاعات التي تعرض عليهما، كما تلتزم محكمة العدل الدّولية بهذا الدور أيضاً من خلال المسائل التي تعرض عليها لفضّ النّزاعات الدّولية التي تتسبب في الضرر البيئي، ولقد عالج قضاء محكمة العدل الدولية العديد من القضايا البيئية التي فصلت فيها هيئة المحكمة بحيث أقرت مجموعة من القواعد والمبادئ الأساسية في مجال المحافظة على البيئة، ونذكر من هذه القضايا الدّولية الشهيرة؛ قضية مضيق كورفو عام 1949 وقضية استراليا ضد فرنسا 1973 وكذلك قضية المجر وسلوفاكيا حول نهر الدانوب 1997.
وكما ذكرنا سابقاً لقضاء التحكيم الدولي قرارات تحكيمية فاصلة في حماية البيئة من خلال القضايا التي تم التدخل فيها لإقرار الحماية للمتضررين من التلوث البيئي، كقضية مصنع الصهر بترايل لسنة 1941، وقضية بحيرة لانو بين فرنسا واسبانيا...
المطلب الثالث: دور الاتفاقيات والتشريعات الدولية في مجال حماية البيئة
إن الارتباط الوثيق بين القانون الوطني والقانون الدولي من شأنه إظهار حاجة الجهود التي تبذل في مجال حماية البيئة وصيانتها في إطار التشريعات والقوانين الوطنية الى جهود أخرى على مستوى الصعيد الدولي، ذلك إن المحافظة على البيئة وصيانتها مسؤولية المجتمع الدّولي بأسره، وإن حدوث أي خلل في البيئة في أي مكان من دول العالم تنعكس آثاره السلبية على الجميع دون تفرقة، كما حدث في حرب العراق والكويت أوائل التسعينيات حيث تلوثت مياه الخليج بالبترول، وأيضًا ما حدث من تسرب إشعاعي من مفاعل تشيرنوبل عام 1986 في أوكرانيا، حيث تأثر المجتمع الدولي بمجمله من كل ذلك.
إن هذه المخاطر أدت الى إدراك دول العالم أن الأخطار البيئية لا يمكنها أن تطال دولة دون الأخرى، إذ يجب أن تتعاون الدول مع بعضها من أجل التصدي للأخطار البيئية، ولذلك بدأت المبادرات الوطنية بسن تشريعات وقوانين داخلية في كل دولة من أجل حماية البيئة، وجديرٌ بالذكر أن الجهود الرامية إلى حماية البيئة على الصعيد الداخلي، وفي إطار التشريعات الوطنية لايمكن أن تؤتي ثمارها بمفردها مالم تقترن بجهود أخرى مكمّلة لها على الصعيد الدولي.
ولا بدّ من الإشارة إلى دور القضاء الدولي في تدعيم وتعزيز أسس مبدأ المسؤولية عن الأضرار البيئية في العديد من القضايا، وفي اطار مبدأ المسؤولية الدّولية عن الأضرار البيئية فقد تطرقت لجنة القانون الدّولي التابعة للأمم المتحدة لها وذلك في معرض مناقشتها للمسؤولية الدّولية بصفة عامة، بحيث ورد بأحد تقاريرها أن القانون الدولي قد وصل إلى الإدانة النهائية للتصرفات التي تهدّد البيئة، بهدف صيانتها من الأخطار التي تحدق بها.
من هنا، لقد أصبحت الأفعال والتصرفات التي تخالف المبادىء الراسخة في وجدان الضمير الدولي بمثابة قواعد جوهرية للقانون الدولي عمومًا، ونجد أنه يجب أن تتكاتف دول العالم بأسرها من أجل مواجهة الأخطار البيئية التي تهدد البيئة، والإعتراف أن التلوث لا يصيب مكاناً واحداً فحسب بل تنتقل آثاره الفتاكة والمدمّرة لتنال من الدول الأخرى المجاورة، لذلك لابد من بذل المزيد من الجهد من أجل وضع منظومة دولية تشتمل على المزيد من التشريعات والقوانين الوطنية والدولية المنظمة من أجل حماية البيئة، والمحافظة عليها.
ختاماً، إن حماية البيئة تتطلب اهتماماً فعلياً من جانب الدولة كما المواطن على حدّ سواء، إذ إن الإساءة إلى البيئة هي إساءة للوطن والمواطنين جميعاً لأن الجرم البيئي يشكل جرماً جماعياُ ومتمادياً وهو أشد خطورة من الجرائم الفردية بنتائجه ومفاعيله، من هنا لا بدّ لنا من طرح بعض التوصيات في مجال حماية البيئة منها؛ الإنضمام إلى المعاهدات الدولية الهادفة إلى حماية البيئة، وضع تشريع بيئي يجسّد الإرادة الدولية في الحفاظ على بيئة سليمة، تكوين هيئة قضائية متخصّصة في قضايا البيئة، إدخال مادة القانون البيئي ضمن المواد الأساسية في شعبة القانون العام كما الخاص، تأمين الشروط الفضلى والحياة الكريمة للمواطن في محيط بيئي نظيف وبإدارة رشيدة للبيئة، وضع أسس ومبادئ أساسية على كل شخص مادي أو معنوي خاص أو عام على أن يلتزم بها في إطار حماية البيئة وإدارة مواردها الطبيعية، وضع تخطيط بيئي في إطار خطة أساسية لحماية البيئة يقرّها مجلس الوزراء وتخضع لمراجعة دورية، تفعيل المجلس الوطني للبيئة الذي يمثل مناصفة كافة الوزارات المعنية بالبيئة والممثلين المؤهلين في المجتمع المدني، تأمين مشاركة فعّالة للمواطنين في حماية البيئة وإدارتها من خلال آلية إستشارية، تطوير التربية البيئية وحملات التوعية وتنظيم النشاطات حول المسائل البيئية، إعتماد تدابير تحفيزية بهدف تشجيع كل عمل يساهم في حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية، تحديد المسؤوليات والعقوبات المترتبة في حال إنتهاك البيئة مع مراعاة أحكام القانون المدني والقانون الجزائي النافذة، إعتماد أطر لضبط المخالفات ومراقبة
حسن التنفيذ، فرض تدابير إدارية من قبل الوزارات المعنية.
المراجـــــــــــــع:
- بول مرقص، التشريع البيئي: ما هي أحدث القوانين في لبنان ومدى تطبيقها https://www.syndicateofhospitals.org.lb/Content/uploads/SyndicateMagazinePdfs- منشورة الكترونياً.
- حسنة كجي، محاضرات في قانون البيئة، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق- الدار البيضاء- منشورة الكترونياً.
- رافايل صفير، التشريع البيئي في لبنان تعريف خصائص ومبادئ عامة- العدل 2010 عدد 3.
- سرحان محمد، دور محكمة العدل الدولية في تسوية المنازعات الدولية في إرساء مبادئ القانون الدولي العام، مطبعة الإسكندرية، مصر، 1986.
- غسان رباح، الحماية القانونية للبيئة في التشريع اللبناني، مجلة قدموس، 2/5/2011.
- عامر طرفي، المسؤولية الدولية والمدنية في قضايا البيئية والتنمية المستدامة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 2012.
- عبد العزيز مرزاق، التشريعات الدولية المنظمة للبيئة، مجلة القانون والاعمال، www.droitetentreprise.org، جامعة الحسن الاول.
- فلاح الرشيدي، نظرة في واقع النظام القانوني لحماية البيئة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، مجلة الحقوق، العدد الثالث، السنة السادسة والعشرون، مطبعة مجلس النشر العلمي، جامعة الكويت، طبعة 2002.